علاء الدين ظاهر
تمتلك الباحثة كريمة حسين أحمد نصر المعيدة بكلية آداب جامعة عين شمس رغبة في كشف أسرار التاريخ والروعة التي تتميز بها مباني العصر الحديث،وهو ما دعاها لتتبع أحد أهم المهندسين الذين وضعوا بصمتهم علي منشآت أثرية وتاريخية كثيرة في القاهرة والإسكندرية،وهو أنطونيو لاشياك الذي يطلق عليه لقب مهندس السرايات الخديوية.
الباحثة كريمة أعدت رسالة متميزة بعنوان"واجهات منشآت المعماري أنطونيو لاشياك الباقية بالقاهرة والإسكندرية"،وحصلت بها علي الماجستير بإمتياز من كلية الآداب بجامعة عين شمس شعبة الآثار الإسلامية.
تناولت الدراسة واجهات المعماري أنطونيو لاشاك الباقية بالقاهرة والإسكندرية،منها 10 منشآت بالأسكندرية و15 منشأة بالقاهرة،وقامت الباحثة بتصوير جميع المنشآت القائمة،كما قامت برفع 12 منشأة بالقاهرة والإسكندرية بالأوتوكاد و9 منشأت منهم تنشر لأول مرة،وخرائط مساحية لتحديد موقع كل منشأة والشوارع المحيطة بها،كما تضمنت الرسالة دراسة أثرية لثلاثة منشآت لم تسبق دراستها،وه قصر نعمة الله كمال"مبني وزارة الخارجية الآن"،وفيلا المحامى ديبالجرو سابقًا"سفارة الهند بالزمالك حاليًا"،وعمارة عائلة جرين ونشر الصور الفوتوغرافية لأول مرة.
وطبقا للدراسة،فقد بدأت ظاهرة تحويل القصور التاريخية إلي مؤسسات حكومية أو متاحف،تلك الظاهرة التي انتشرت في مصر بعد ثورة 1952م وقد صادرت الحكومة المصرية هذه القصور لتصبح مخصصة للزيارة وتُعرض فيها القطع الفنية المختلفة التي كانت موجودة داخل القصر،ودشنت وزارة الثقافة هذه السياسة التي تستهدف تحويل القصور التاريخية إلي مراكز ثقافية وتعليمية لإتاحة الفرصة أمام الجمهور للتعرف عليها كتراث معماري مهم.
وقد حصرت الدراسة أمثلة القصور التي تحولت لمتاحف مثل قصر فاطمة حيدر"متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية"، أما القصور التي تحولت إلي مؤسسات حكومية منها قصر عابدين وقصر الطاهرة"رئاسة الجمهورية"،وقصر الأميرة شويكار"مقر مجلس رئاسة الوزراء"،وقصر نعمة الله كمال"مقر وزارة الخارجية"،وقصر سعيد حليم"مدرسة الناصرية الثانوية" وقصر يوسف كمال"معهد بحوث الصحراء"،وفيلا لوران بالإسكندرية"مدرسة لوران الثانوية"،وقصر الزعفران"مقر جامعة عين شمس"،أما السفارات فقد تحولت منشأت مثل فيلا القاضي ديبالجرو بالزمالك إلي"سفارة الهند".
الباحثة قالت في رسالتها:من خلال دراستي للجانب التاريخي لمنشآت لاشاك،اتضح أن بعض مالكيها من الأجانب الذين استوطنوا مصر في تلك الفترة وأطلق عليهم اسم رعايا،وكل رعية تقع تحت حماية دولة سواء كانت دولتهم الأصلية أو دولة أخري فيطلق عليهم اسم قنصل،لذا صارت منشآتهم نحو الطرز المعمارية السائدة في بلدانهم الأصلية،ونلاحظ تمسك بعض العائلات والعملاء بأنطونيو لاشاك،حيث بني للأمير يوسف كمال قصره بالمطرية وصمم تخطيط لضريحه،وأيضًا صمم لوالده أحمد كمال باشا عمارتين،وكما صمم لمظلوم باشا فيلتين إحداهما بالقاهرة والأخرى بالإسكندرية،لكنهما هدما مع الأسف.
الدراسة كشفت أن لاشياك تعامل مع الجالية اليهودية كثيرًا،فأنشأ لهم العديد من المنشآت خاصة بالإسكندرية مثل عمارة عائلة جرين،وعمارة الجالية اليهودية وعمارة أجيون ووكالة منشا وضريح سوارس،أما بالقاهرة فأنشأ لهم عمارة سوارس بوسط المدينة،فيما تعد الكنيسة البطرسية بالعباسية هي المنشأة الدينية الوحيدة التي صممها ضمن أعماله بمصر.
ومن خلال فترة الدراسة يمكن إيجاز النتاج العمراني والمعماري للمجتمع المصري بالقاهرة،فمن حيث النتاج العمراني الذي ظهر منذ عصر إسماعيل وتمثل في ظهور النزعة الأوروبية بوضع مشروع تخطيط القاهرة "باريس الشرق"، توسيع الشوارع وإنارتها بالغاز وردم البرك ،إنشاء الحدائق ،إنشاء عدة إحياء جديدة ،إنشاء الكباري ،تحويل مجري النيل الأصلي ،وضع تماثيل للشخصيات الهامة في الميادين .
ليس هذا فقط،بل كشفت الدراسة إلمام لاشياك بالطرز المعمارية المختلفة ،لاسيما طراز الكلاسيكية المستحدثة،والنهضة المستحدثة ،والباروك والركوكو المستحدث،كذلك تأثره بالطرز المحلية الموروثة،كما في تخطيط الوكالة التركية التي بنيت علي أساسها وكالة منشا،وأيضأ عنصر رأس أبو الهول في واحة محطة مصر بالإسكندرية ، وعمارة بيت جلال بالقاهرة،كما ظهر تأثره بمفرادات العمارة الإسلامية في التكوين المعماري لقصر فاطمة الزهراء،بوجود سلاملك بالجناح الشرقي والحرملك بالجناح الغربي ،وأيضًا واجهة عمارة التأمين ،وعمارة بنك مصر بالقاهرة .
وقد أوضحت الدراسة سيادة الطراز الإسلامي ولمسات بسيطة من الطراز الفرعوني في بداية القرن العشرين الميلادي،خاصة في عصر الخديو عباس حلمي الثاني ونشوب الحرب العالمية الأولي 1914م،ولعل السبب في ذلك هو الشعور الوطني المتزايد في هذه الفترة،فيما ظلت مدينة الإسكندرية محتفظة بطابعها المتأثر بالإتجاهات الغربية حتى منتصف القرن العشرين، رغم أوامر عثمان محرم وزير الأشغال العامة – نتيجة تمركز الجاليات الأجنبية بالمدينة والسلطات الإدارية لتلك الجاليات ،مما أضعف المقاومة الوطنية بها سواء الإتجاه الفرعوني أو الإسلامي المستحدث .
وبقدر ما كانت أهمية الدراسة جاءت أهمية التوصيات التي إنتهت إليها،وفي مقدمتها تكملة رصد وتسجيل العمائر ذات الواجهات المميزة في مصر بصفة عامة بالتصوير الفوتوغرافي والرفع المعماري الدقيق للعناصر المعمارية والزخرفية، وتقديم المزيد والإستمرار في مشروع التوثيق ليشمل جميع مناطق ومحافظات مصر والإستعانة بالباحثين المتخصصين في هذا المجال لسرعة التنفيذ .
كما أوصت الدراسة بتنفيذ مقترح بالنسبة لقصر سعيد حليم قدمته د.جليلة القاضي أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة ومدير مركز الأبحاث الفرنسي من أجل التنمية - مشروع القاهرة الخديوية،بتحويل القصر لمتحف بمدينة القاهرة،وهي فكرة نوعية تنفذ لأول مرة في مصر أسوة بمتحف لندن بإنجلترا،بينما تبقي ملكية المكان كما تذكر القاضي عائقًا يمكن حله،بتكرار تجربة قصر البارون وتقديم بديل للمالك ليتنازل عنه لصالح الدولة،والقصر الآن مهجور تمامًا لا يعلم أحد بمصيره،وناشدت الباحثة وزارتا الاثار والثقافة النظر في أمره،فهو قيمة كبيرة تستحق الترميم وإعادة رونقه وزخارفه،وهو مشروع عظيم أؤيده بشدة والذي قدم منذ أكثر من عشر سنوات،بدعم عالمي وخبرات دولية ومصرية جديرة بإعادة النظر فيه.
وأوصت الدراسة أيضا بضرورة ألا يقوم المجلس الأعلي للآثار المصرية بتسجيل أى آثر جديد غير مسجل في تعداد الآثار، إلا إذا كان ضامنًا أن هذا الآثر بعد تسجيله سيكون خاضعًا تمامًا لإشرافه دون مشاركة من أي جهة أخرى تشغل الآثر،وشددت علي التوصية بضرورة تسجيل المجلس الأعلى للآثار للكنيسة البطرسية والواقعة بحرم الكاتدرائية القبطية بالعباسية،وذلك لما تمثله عناصرها المعمارية والزخرفية من قيمة جمالية وأثرية وتاريخية.
وأوضحت أن بناء منشآت شاهقة الإرتفاع بجوار القصور ذات الإرتفاع المنخفض وإشغالات المحلات والمقاهي بجوار المباني التراثية أو بالطوابق الأرضية منها،أوتعليق لافتات إعلانات علي الواجهات بشكل عشوائي،كل هذا أدي لحجب بعض العناصر المعمارية والزخرفية للمباني وتشوه بصري في محيطها،وفي بعض الأحيان نتيجة للإهمال أو لتحقيق المتطلبات المعيشية للساكن،يتم إجراء تعديلات ومعالجات علي المنشآت والتى لاتراعي جمال وقيمة المبنى التراثية،مما أدى إلي محو جزء هام من أجزاء المرجع الفني والتاريخي ربما لايُعوض لعدم تكراره في المبنى أو عدم وجود مثيل له في مبنى آخر.
وشددت الباحثة ضمن توصيات دراستها علي العمل علي سياسة تثقيفية إعلامية لزيادة وعي لدى الجماهير بالقيمة التراثية للمباني الأثرية أو ذات الطراز المميز والقيمة المعمارية ، ووضع قوانين حاسمة تمنع عمليات الإضافة والإلغاء أو التغيير لأي عنصر من عناصر التشكيل المعماري للواجهات باعتبارها أرث ذو قيمة كبيرة،وخضوع هذه المباني لعمليات الترميم السليم والمدروس بحرفية من قبل متخصصين ، وليس محاولة تجميل العمائر بالدهانات غير المناسبة للواجهات والتي تغير من الشكل الواقعي للمبنى ، كما حدث في (العمارات الخديوية) كمثال حقيقي من الدراسة.
وإختتمت الدراسة توصياتها بحقيقة مثيرة قد لا يعلمها كثيرون رغم أهمية المكان،حيث أنه يوجد متحف للسكك الحديدية بمبني محطة مصر غير معروف عنه شيئًا،وقالت الدراسة أن هذا المتحف يعرض تاريخ النقل وتاريخ نشأة السكك الحديدية والعربات والقطارات الملكية،وقد تم تشييده في 26 أكتوبر 1932،وافتتح لاستقبال الزوار في 15 يناير 1933،ويضم المتحف بين جدرانه ما يقرب من سبعمائة نموذج ومعروض،ومجموعة من الوثائق والخرائط والبيانات الإحصائية وجميعها تبين تطور النقل والسكك الحديدية.
تعليقات
إرسال تعليق